أكلات شهر العسل عند العرب.. كاملة الدسم
منها «صينية العروسة» في السعودية و«الحريرة» في المغرب و«الحمام المحشي» في مصر
صحن المشاوي المشكلة احد اهم اطباق شهر العسل عند العرب («الشرق الأوسط»)
يرجع إلى الأوروبيين القدماء الفضل في ظهور تعبير "شهر العسل"، فهم أول من اطلقوه على شهر الزواج الأول، وترجع التسمية إلى أن طقوس الزواج قديماً، كانت تجبر كل من العروسين على تناول شراب العسل خلال الـ 30 يوما الأولى من الزواج، لما له من تأثير صحي جيد عليهما، وقد توارثت الأجيال نفس النظرية في التعامل مع شهر العسل وربطته بالطعام بشكل مباشر، واستبدل العسل، بعشرات الأطباق والأصناف التي يقدمها الأهل للعروسين، منذ صباح اليوم الاول لزواجهما أو ما درج العرب على تسميته بيوم "الصباحية". ورغم مرور الزمن يبقى من عاداتنا الجميلة اشياء تشعرنا دائماً بدفء الأسرة، إنها تفاصيلنا الشرقية الأصيلة التي لم يفلح الزمن في ان يمحوها. فالخالة زكية وقفت في صبيحة زفاف حفيدتها ولاء وجلست تسترجع ذكرياتها البعيدة وهي تجهز ما لذ وطاب للعروسين، هي الأخرى تلقت قبل سنوات "صينية العروس" في أول صباح يطل عليها في بيت الزوجية، الصينية التي لا يزال أهل العروس في السعودية حريصين على تحضيرها وسرعة وصولها إلى ابنتهم وزوجها، هي ليست مجرد صينية طعام عادية، بل إن حمولتها تأخذ أهميتها من أهمية الابنة وقيمتها عند أهلها، وهو ما يجعل صبية في العائلة يتسابقون على رؤيتها، لعل احدهم يحظى بقطعة من حلوى "الباتاسا"، أو قطعة من "اللبنية" الشهية.
الحرص على الصينية لم يقف عند حمولتها من الحلوى وخبز "الشريك"، بجانب بعض المأكولات والحليب، مما يحتاجه العروسان، بل تجاوزه ليصل حد الحرص على زينة الصينية، وتمييزها عن أي صينية أخرى يمكن ان تكون في طريقها لأحد البيوت المجاورة، وهي العادة التي كان يحرص عليها الناس قديما، فلا يمكن أن تخلو صينية العرس من قماش "التل" الذي يغطي وجهها بألوانه الزاهية التي تعكس ذوق أهل العروس، والألوان في كل الاحوال لا تخرج عن ثلاثية الأخضر أو الأحمر والزهري. في دلالة واضحة من قبل أهل العروس، على ان تسود لغة الفرح والحب والود والابتهاج بين العروسين.
واطلالة الصينية على العروسين مع خيوط شمس يوم الصباحية، تعاود الظهور مرة أخرى في المساء محملة هذه المرة بعشاء العروسين، ليحظيا بنوم هادئ مسبوق بأكلة هنية، وتستمر هذه العادة يومياً بحسب المستوى الاقتصادي لكل عائلة، فبين من يحرص عليها ملزماً نفسه بسبعة أيام وهو متوسط أيام الدلال للعروسين، خاصة العروس، قبل ان تبدأ مشوار المطبخ الطويل والأعمال المنزلية الشاقة، في حين يكتفي البعض الآخر بيوم واحد، فيما يقع على عاتق العروسين تدبير نفسيهما والدخول مبكراً لعالم الأعباء الزوجية دون تمهيد.
أما في المغرب، فإن الاكل عنصر اساسي في كل ما يتعلق بالزواج، فحفل الزفاف الذي يستمر في بعض الأعراس المغربية إلى سبعة ايام، يطبق المثل المغربي القائل: "من لم يأكل في العرس كأنه لم يحضر"، لذلك يكون بيت اصحاب العرس مفتوحا في وجه الجميع، وموائد الطعام عامرة بما لذ وطاب، الا ان عدد ايام الاحتفال تقلصت الى ثلاثة، وبعض الاسر تكتفي حاليا بيوم واحد، نظرا لارتفاع تكاليف الزفاف، وتغير نمط تفكير العرسان الجدد الذين يفضلون الاستفادة من المال المخصص لإقامة الولائم بغرض السفر، او تجهيز بيت الزوجية.
وعودة الى الاكل، حيث تحظى العروس المغربية بعناية خاصة من طرف اهلها فيما يخص التغذية خلال ايام العرس، اذ تكلف سيدة بهذه المهمة حتى لا ينشغل اهل البيت بالمدعوين، ويتركون العروس من دون اكل او شرب، فكثيرا ما فوجئت المدعوات بالعروس وقد اغمي عليها اثناء "البرزة " أي الزفة بسبب عدم الاكتراث بالأكل طيلة ايام الاحتفال.
وفي هذا السياق تقول رحمة المصواري، وهي تعمل مزينة افراح: "خلال الايام الثلاثة السابقة للزفاف، يقدم للعروس البيض المسلوق والعصائر والفواكه اليابسة، الى جانب الاطباق الرئيسية المعروفة والمكونة من لحم البقر او لحم الدجاج او "البسطيلة" حتى تتغذى جيدا وتظهر في صحة جيدة اثناء "البرزة"، اما في اليوم التالي للزفاف (الصباحية) يحضر اهل العروس "فطورا" خاصا مكونا من قدر كبير من "الحريرة" (هي حساء يحضر من الطماطم والبصل والبقدونس والتوابل والحمص وقطع صغيرة من اللحم)، الى جانب صحن كبير من الحلويات المغربية المصنوعة باللوز مثل كعب غزال والبريوات والملوزة، وصحن من التمر المحشو بجوز الهند، وصحن اخر من الفواكه اليابسة والفطائر".
ويحمل "فطور العروس" من طرف بعض افراد اسرتها كالأخوات وبنات الخالات، الى بيتها الجديد وهناك يلتقي افراد عائلتها وعائلة زوجها المقربون، الجيران لمشاركتها تناول هذا الفطور، وهذا هو التقليد الذي يطبق في معظم المدن المغربية.
غير أنه في مناطق الجنوب المغربي، لا يحمل الاكل الى بيت العروس الا في اليوم الثالث، وهو عبارة عن الحمام المحشو بالبيض والتوابل، وطاجن اللحم، وقدر كبير من مرق اللحم.
ويعود اهل العروس لزيارتها في اليوم السابع حاملين اليها العشاء، وهو عبارة عن طبق كبير من الكسكس، او صينية كبيرة من اللحم المشوي. ومن بين العادات التي كانت تتبع قبل سنوات، هي ان العروس الجديدة لا تطهو الطعام لمدة سبعة ايام في بيت زوجها، وكانت الحماة هي من تتكفل بهذا الامر، فتعد لها اشهى الاطباق ترحيبا بقدومها.
الأم في مصر هي التي تقوم بهذا الدور، حيث تطهو لابنتها يومياً، ولمدة اسبوع كل اصناف الغذاء التي اشتهر بها المصريون في أسبوع الزفاف الأول والتي قد تمتد لأسابيع اخرى، حرصا على صحة العروسين. ويوم الصباحية في معظم المدن المصرية، يبدأ متأخراً بوصول اهل العروس محملين بالخيرات، أولها يكون الفطير المشلتت وفي صحبته القشطة والعسل ومعه "كعك العروسة" الذي تجهزه امها كي يتغذى به العروسان، وتقدمه ابنتها ايضا إلى الزائرين، اما وجبة الغداء فلا بديل فيها عن صنفين، كلاهما يكون مصحوباً "بالشوربة"، الأول هو الحمام المحشو بالفريك المعروف بـ"شوربته" الدسمة، والثاني هو طبق "فواكه البحر" بكل طرق طهيه، وربما ينفصل الجمبري أو السمك الذي يشوى أو"سنجاري" أو "صيادية"، ويصاحبه "شوربة" خاصة يطلق عليها "الفياجرا"، واسمها يحمل بالطبع إسقاطاً ذا مغزى يؤكد عن مدى القناعة بتأثيرها الصحي المتميز على العروسين، ويستكمل الأسبوع في نفس الإطار بين اطباق مختلفة، لكنها لا تبعد كثيرا عن المأكولات البحرية، والحمام، وربما يتم اللجوء إلى اللحوم التي تفضل مشوية (كباب) أو الدواجن المحمرة مع بعض اصناف الخضراوات، بالإضافة إلى طبق الفاكهة وعلى قمته التفاح الأحمر، الذي يرمز في العقلية المصرية إلى الحب.