الفصل الخامس
بقيت في حيرتي هذه أيام..... وأنا لا أعرف كيف أتصرف وقدمي تؤلمني وتشل تحركاتي .....كنت أتهرب من أن أرى السيد منير....ورغم التصرف الأخير الذي صدر منه ولكنه كان يقدم لي كل ما أريده من عناية وإهتمام.......هذا الأمر لم يمنعني من أن أتوخى الحذر فبدأت أتقرب من السيدة هدى مدبرة المنزل بما أنها الوحيدة التي تسكن القصرمنذ وقت طويل.....
دخلت الى المطبخ وجدتها تحضر الطعام ..وقفت على الباب قائلة بإبتسامة عريضة...
- صباح الخير ست هدى...
- ردت بإبتسامة وقد تنبهت لوجودي: اهلاً انسة مها نزلتي ازاي؟؟رجليكي بخير؟؟
- الحمدالله بمشي شوية شوية ...
- تابعت عملها قائلة: يارب تكوني اتعودتي على القصر وعلى السكن فيه..
- تمتمت قائلة: يعني....الا على الساكنين فيه...
- قالت بتساؤل: قصدك ايه؟؟؟
- قلت متداركة الأمر : انتي مثلاً ....السيد منير,...سهام.. كلكم ما عرف عنكم حاجة...
- تركت ما كان بيدها وجلست على الطاولة وأشارت بيدها الى كرسي فارغ كي أجلس عليه.....ابتسمت لي وقالت بهدوء : تفضلي....إسألي وأنا أجاوب....
- انتي مش متجوزة ما عندكيش اولاد؟؟؟؟
- قالت بإرتباك: جوزي مات وعندي ولد واحد عنده 20 سنة بيدرس في منطقة بعيدة
- قلت بإستغراب: وبيجي هنا؟؟؟
- قالت بحيرة: لأ السيد منير بيمنع اي حد يخش القصر وانا بقالي 5 سنين ما شفتوش ببعتلو الي هو عاوزه وبس...
- تمتمت قائلة: اللي مانعه السيد منير...شبح القصر ....
- ردت بإستغراب: شبح ايه؟؟؟!
- هي مرات السيد منير فين؟؟؟؟؟ميتة؟؟ ؟
- وجدتها تقف بسرعة وتتابع عملها وكأنها أنهت الحديث معي: أنسة مها عاوزة احضرلك ايه على العشا؟؟
علمت أنها لا تريد الخوض في الحديث.....ولكنني تابعت قائلة...
- من امتى وانتي هنا في القصر؟؟
- من عشرين سنة...
- وكان السيد منير الي ساكن هنا ولا مين؟؟؟
- ردت بتوتر: مش عارفة..
- مش انتي كنتي ساكنة هنا ما تعرفيش ازاي؟؟.
- قالت بإرتباك: انسة مها انتي عاوزة توصلي لايه.....
- تابعت اسئلتي ولم ارد عليها: هو السيد منير دكتور؟؟
- قالت بتوتر: اه...
- تابعت قائلة: والقصر.....ما خرجتيش منو من عشرين سنة؟؟؟؟؟
- قالت في حدة: ايوة ومش عاوزة اخرج
- قلت في مكر: هو اجبرك تقعدي بنفس الطريقة الي قعدني بيها؟؟؟
- ردت بعصبية: لا..موضوعي مختلف وانا راضية....
- قلت بإهتمام: راضية بالسجن؟؟
- قلت مبررة: انسة مها لو سمحتي انا عندي شغل.
- ايضاً لم اعر لكلامها الاخير اهتمام بل تابعت اسئلتي كنت اريد ان استفزها قدر المستطاع:هو في ستات غيري دخلو القصر؟؟؟؟؟
- لم ترد علي بل بقيت صامتة للحظات تنظر الي بخوف كبير وتابعت: رجاء خاص ما تتدخليش فى اللى ملكيش فيه ولو سمحتى انا مشغولة
- أومأت برأسي وغيرت الموضوع قائلة: هو اخو السيد منير ..محمد ..جي امتى؟...
-الاسبوع الي جي..وانا متأكدة حتعجبي بيه وحيتم الجواز بدون مشاكل
- ابتسمت بثقة قائلة: ما ظنش كده.........
استدرت عائدة وما إن مشيت خطوتين حتى سمعتها تقول لي..
- انسة مها ..لازم تعرفي حاجة مهمة....
- استدرت قائلة: ايه؟؟؟
- انسة...ياريت تكوني هادية الايام الي جية..وما يتكررش الي حاولتي تعملي المرة الي فاتت وتهربي..نصيحة مني كوني مطيعة عشان يمر الي حيحصل على خير....
نظرت اليها بحدة...هززت رأسي ولم أقل لها شيئاً.....
****************
خرجت الى الحديقة قليلاً...شعرت بحاجة الى أن أرى الطبيعة لأن أشعر ولو للحظات أنني خارج اسوار هذا السجن .....جلست على المقعد بجانب مجموعة من الزهور والأشجار ....نظرت اليها وسرحت في عالم بعيد....عيوني كانت تتعلق بين الحين والأخر ببوابة القصر الكبرى كأنني أرى فيها أمل النجاة والحرية التي أفتقدها منذ أن جئت الى القصر.....
.................................................. ...............................
لم اكن سعيدة ولم أذق طعم السعادة في لحظة رغم أنني اعيش في قصر ولكنني أشعر انه قبر ضيق ...كم مرة تمنيت الموت..كم مرة تمنيت لو أعود الى المدرسة الداخلية ولو للحظات.....أضحك وأمرح مع صديقاتي....كم تمنيت ان تعود أمي تحضنني وأبكي على صدرها....كم أنا بحاجة اليك يا والدي ...حياتي كلها عشتها وأنا أنتظرك لكن الأن حان موعد وصولك لتنتشلني من هنا......لتيقظيني من هذا الحلم المزعج الذي أعيشه......
.................................................
............
في الايام التالية ....أصبحت أعيش الدور بأنني سيدة قصر بكل ما في الكلمة من معنى حتى أنني قبل موعد وصول محمد كنت قد أتقنته ....كنت أرى في عيون السيد منير الرضى التام علي....لم يعد يرى مني السخط والجنون على العكس..أصبح يراني فتاة هادئة مطيعة لأقصى حد قليلة الكلام كألة يحركها كيفما يحب لا تحتاج الى صيانة أبداً....
بدأت أتحضر للقاء العريس المنتظر ..... وجدت فيه طوق النجاة وكنت قد صممت أن أخبره بالحقيقة الكاملة عندما يعود بل وأتفق معه على الهروب من القصر كي لا يصيبني أي أذى ومن دون أن يشعر السيد منير بذلك.....
وقبل موعد حضور محمد بيوم ...كنت على موعد للقاء السيد منير للتباحث معه في بعض التفاصيل بخصوص اخاه العائد....
قبل أن أشرع بالدخول سمعت من خارج المكتب صوت السيدة هدى مدبرة المنزل وهي تتشاور معه في موضوع ما ..فهمت من بعض الجمل التي قالتها أنه تريد أن ترى ابنها وأن يسمح له بأن يعيش معها ولكنه يرفض الأمر ويصر على عدم مجيئه ....كانت تترجاه وتطلب فقط رؤيته خاصة انها لم تراه منذ خمس سنوات وأخبرته أنها سافرت وهو يقطن مع بعض الأقارب بعد أن تركته منذ كان عمره سبع سنوات معهم..... ولكنه كان كجلمود صخر يتحدث ببرود كعادته ودموعها لم تحرك له ساكناً...مأ أقسى قلبه أتمنى تحطيمه ولكن الله أكبر منه......شعرت بالحزن عليها حقاً.... رأيتها بعدها تخرج تجر ذيول الخيبة والدموع في عينيها ..أدارت وجهها عني عندما رأتني وغادرت بسرعة.....
دخلت وما إن رأني حتى قال لي ببرود...
- ازي ست القصر ؟؟؟
- قلت بهدوء: كويسة زي ما اتمنيتها.....
- أومأ برأسه بالرضى: كويس...بكرة اخويا جي..مش حوصيكي تكوني عاقلة وهادية..عشان وضوع الجواز يتم على خير وفي ايام.....
- قلت بجفاء: ايوة وبعدين؟؟؟؟
- قال بإستغراب : في ايه؟؟؟
- قلت بأسى: امتى حخرج من السجن ده؟؟؟؟
- بعد ما تخلصي مهمتك..وانا حكافأك كتير...انا كريم بردو ....
- قلت بيأس: حسألك سؤال واحد عاوزة رد صريح؟
- قال ببرود: اتفضلي..
- ليه انا؟؟؟؟
- قال وهو يحرك القلم على الطاولة: لأنك بنت رضوان غالي.....
- نظرت اليه بحدة: قصدك ابوية؟؟؟؟؟؟؟؟....يعني انا مجيتي هنا مش صدفة كل حاجة متوضبة...
بقي صامتاً ولم يرد علي..لكنني تابعت بحدة وصراخ ..........
-اذا كنت بتعمل كده فية انتقام منه لازم تعرف ان ما ليش دعوة بيه انا ولا عمري شفته ولا اعرفه خرجني برة اللعبة دي انا.......
-(قبل أن أكمل كلامي قاطعني قائلاً): مافيش داعي اكرر الي قلتو قبلها مافيش داعي تتكلمي مع اخوية في حاجة والا حزعل وانتي عارفاني...المقابلة انتهت انسة مها اتفضلي.....
......................................
جلست في الحديقة بإنتظار مجىء محمد الذي اعتبره المنقذ الذي سيسحبني من الهاوية .....يبدو أنني وقعت في عصابة مدبرة وأمشي مع خطة مدروسة بعناية لا أدري من هم أبطالها ولماذا تتم ومن أجل من...الشىء الوحيد الذي أعرفه هو أنني ضحية......نزلت الدموع من عيني ....مسحتها بيدي...لمعت تحت بريق الشمس .....كأنها ذهب خالص.....وما هي الا لحظات حتى تخيلتها أنها سوداء...إنني أبكي دماً اسود!! ربما من شدة القهر الذي أعيشه.......
يتبع..