الحلقة الأولى
كاد القطار أن يفوتنى ..
و لحسن الحظ لحقت به بعدما تلقيت كما هائلا من السباب ممن اصطدمت بهم أثناء محاولتى اللحاق بالقطار ...
بعدها وجدت مكانا خاليا فأسرعت إليه ..
و جلست أجفف عرقى و ألتقط أنفاسى ...
حتى أصاب السكون أنفاسى حين فوجئت بحسناء فى اوائل العشرينات من عمرها ..
ذات شعر أسود داكن تجلس أمامى ..
و دموع عينيها تسيل ..
فدار فى خاطرى ..
أى شئ يدمع عينى تلك الحسناء ؟ ..
فجمالها لا يعرف طريقا للبكاء ..
الفرح ينتظر منها نداء ,
و رقتها للمجروحين دواء ...
لا أعلم كيف نطقت شفتاى بتلك الكلمات الرومانسية
حين رأيت تلك الفتاة ...
بعدها لم يمنعنى فضولى من سؤالها عن سبب بكائها ..
فنظرت إليها و قلت فى دعابة :
- أكيد هو اللى غلطان ..
كان لازم تسيبيه من الأول ..
نظرت الىّ لكنها لم ترد ..
فأصابنى الحرج و التزمت السكوت ..
و فضلت أن اتأمل جمالها دون أن اتحدث ..
بعد لحظات فوجئت بها توقف بكاءها ..
و تحدثنى :
- أنا أمنيتى أنى أموت ..
فوجدتها فرصة لحديث أضيع به ملل الطريق
و قلت :- تموتى .. حد يتمنى الموت ..
و خاصة لو ربنا أداه الجمال ده كله ؟!
هزت رأسها فى إحباط و أكملت :
- أنا ببكى لأنى استعدت ذاكرتى مرة تانية ..
اندهشت ثم أشرت لها أن تكمل ..
أكملت :-
أنا للأسف افتكرت كل حاجة حصلت لى فى حياتى ..
بعدها ابتسمت ابتسامة خافتة :
- الناس كانوا دايما يقولوا ..
أنى جميلة الجميلات ..
و فى يوم وقعت فى غرام شاب ,
و أصبح كل حياتى ..
و أصبحت كل حياته ..
تخليت عن كل حاجة فى سبيله ...
ابتسمت و قلت :
- جميل ... كملى ( فأنا مستمع حتى الآن )
أكملت :-
أنت عارف ضعف البنت مهما كانت جميلة ..
و فى يوم طلب إنه يقابلنى ..
و بعد ما وافقت أصبت بحادث فى طريقى اليه ..
و هنا فقدت الذاكرة ..
أكملت :
- بقيت سنة فاقدة للذاكرة ..
مش فاكرة أى حاجة ..
و لا أى حد يعرفنى ..
كانت أيام ربنا العالم بيها ..
و مع ذلك كنت صابرة ..
و كل ما تعدى الليالى أقول أنها عابرة ..
كانت تلك الفتاة على درجة عالية من لباقة الحديث ..
حتى أكملت :
- لحد ما جه الوقت و رجعت لى ذاكرتى ..
هنا تنهدت و قلت :- الحمد لله .. عدينا الجزء المحزن ..
أكملت : - استنى ..
أنا استعدت الذاكرة ..
و افتكرت كل حاجة ..
و حبيت أعود لأهلى ..
و هنا كانت الصدمة ..
فوجئت أن الشاب اللى كنت بحبه اتجوز أختى ...
- وقتها أوحيت لأهلى أنى مش فاكرة أى شئ ..
بس حسيت بصدمته لما شافنى ..
و كانت نظراته لى نظرات غريبة ..
فخفت أن أختى تحس .. و تفتكرنى بخونها ..
قلت :- آه و بعدين ؟.
أكملت :- أصبحت أمام اختيارين ..
أنى أكون طول عمرى فاقدة للذاكرة
و أحافظ على حياة أختى ..
أو أنى أهرب و امتلك ذاكرتى ..
و هنا فضلت الهروب ..
ثم صمت مجددا ..
وقتها كنت فى حيرة عندما سمعتها ..
فكم هى مشكلة معقدة لم أقابلها من قبل ..
و تحتاج الى التفكير على مهل ...
فأنا لا أرضى لها الهروب ..
و لا أريد لها العذاب ..
حتى جاءت محطتى التى كنت أقصدها ..
لكننى لم أغادر مقعدى ..
و بقيت مكانى ..
و فضلت أن أبقى معها ..
حتى تحرك القطار مرة أخرى ..